الخروج من الدورة الرمضانية

الخروج من رمضان

للدكتور علي أحمد باقر

 

قال تعالى في سورة البقرة شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)[1]

وروية عن رسول الله صل الله عليه وآله وسلم : كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصومُ فإنه لي وأنا أَجْزِي به[2]

 

الان ونحن على اعتبا شهر شوال المبارك وهناك أيام يحرم بها الصيام وهي 4 أيام التشريق اول يوم عيد الفطر المبارك

وتجدر بنا الإشارة الى قوله تعالى في سورة التوبة : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)[3]

وأيضا في سورة البقرة : ۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)[4]

 

واشير الى رواية : صوموا لرؤيتِه وأفطروا لرؤيتِه ، فإن غُمَّ عليكم فعُدُّوا ثلاثين يومًا ، يعني : عُدُّوا شعبانَ ثلاثين

هنا ندرك حرمانيه النسيئة وهي إضافة شهر من حتى يستمر الاقتران بين السنة الشمسية والسنة القمرية

واشير الى قوله تعالى : إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)[5]

 

وعليه فان الله سبحانه وتعالى جعل من القمر مواقيت للمسلمين في تعاملاتهم حتى يكون الحج والصوم ومتغيرين على مواسم السنة الواحدة ، وحتى لا نكون كالذين خاضوا واستمتعوا بالدنيا دون النظر الى المعرفة الالية والغاية المنها واشير الى قوله تعالى : كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)[6]

 

فعلينا الاستمرار بزخم التعلق مع الله وليس الخروج من الشهر هو العودة لما نهو عنه فنحن في فرصة العودة مع التعلق بالله وليت التعلق بالدنيا مع الحفاظ على ان لا ننس نصيبنا من الدنيا ولكن بالضوابط الشرعية

فلا نهجر القرآن كما يقول المولى في سورة الفرقان : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)[7]

بل الواجب علينا دوام حسن العلاقة مع الله سبحانه وتعالى والمعاملة الطيبة مع مخلوقاته والحفاظ على الدعاء للمؤمنين ولأهل بيتك في السر والعلن وان لا ييأس من رحمة الله حيث اننا في ضيافة الله ليس فقط في رمضان بل في كل وقت ومكان نحن في ضيافة الرحمن طوال ما نحن ملتزمون بعهدنا من الله بحسن العبادة والمعاملة واشير الى قوله تعالى : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)[8]

 

وفي معرض البحث لاحظت إشارة جميلة في كون الله المولى عز وجل استخدمه أداة الوصل الذي واعقبها بفعل من الأفعال الخمسة الذي يدل على الجمع !

 

سورة التوبة كالذي خاضوا :

و { الذي } اسم موصول ، مفرد ، وإذ كان عائد الصلة هنا ضمير جمع تعيّن أن يكون المراد ب { الذي } : تأويله بالفريق أو الجَمْع ، ويجوز أن يكون { الذي } هنا أصله الذين فخُفّف بحذف النون على لغة هذيل وتميم كقول الأشهب بن زميلة النهشلي :

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هُم القومُ كلُّ القوممِ يا أمَّ خالد

 

ونحاة البصرة يرون هذا الاستعمال خاصّاً بحالة أن تطول الصلة كالبيت فلا ينطبق عندهم على الآية ، ونحاة الكوفة يجوزّونه ولو لم تطل الصلة ، كما في الآية ، وقد ادّعى الفرّاء : أنّ { الذي } يكون موصولاً حرفياً مؤوّلاً بالمصدر ، واستشهد له بهذه الآية ، وهو ضعيف .

 

ولمّا وصفت حالة المشبه بهم من الأمم البائدة أعقب ذلك بالإشارة إليهم للتنبيه على أنّهم بسبب ذلك كانوا جديرين بما سيخبر به عنهم ، فقال تعالى : { أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون } وفيه تعريض بأنّ الذين شابهوهم في أحوالهم أحرياء بأن يحلّ بهم ما حلّ بأولئك ، وفي هذا التعريض من التهديد والنذارة معنى عظيم .

 

والخوض : تقدّمت الحوالة على معرفته آنفاً .

 

التفسير :

مجمع البيان للطوسي

 

وقوله : { كالذي خاضوا } تشبيه لخوض المنافقين بخوض أولئك وهو الخوض الذي حكي عنهم في قوله : { ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } [ التوبة : 65 ] ولبساطة هذا التشبيه لم يؤت فيه بمثل الأسلوب الذي أتي به في التشبيه السابق له . أي : وخضتم في الكفر والاستهزاء بآيات الله ورسوله كالخوض الذي خاضوه في ذلك ، فأنتم وهم سواء ، فيوشك أن يَحيق بكم ما حاق بهم ، وكلامنا في هذين التشبيهين أدقّ ما كتب فيهما .

 

الاعراب :

 

موضع الكاف من قولـه {كالذين من قبلكم} نصب أي وعدكم الله على الكفر به كما وعد الذين من قبلكم والكاف في قوله كما استمتع وكالذين خاضوا نصب بأنه صفة لمصدر محذوف وتقديره استمتعتم استمتاعاً مثل استمتاعهم وخضتم خوضاً مثل خوضهم قال جامع العلوم النحوي البصير كالذي خاضوا تقديره على قياس قول سيبويه كالذي خاضوا فيه فحذف في فصار كالذي خاضوه ثم حذف الهاء وهو على قول يونس والأخفش الذي مصدري والتقدير كالخوض الذي خاضوا فيه ومثل هذا اختلافهم في قوله { ذلك الذي يبشر الله عباده } [الشورى: 23] على قول سيبويه تقديره يبشر الله به على قول يونس والأخفش ذلك تبشير الله عباده.

 

 



[1] سورة البقرة 185

[2] | المحدث : سفيان بن عيينة | المصدر : السنن الكبرى للبيهقي

الصفحة أو الرقم : 4/274 | خلاصة حكم المحدث : من أجود الأحاديث وأحكمها

[3] سورة التوبة 36

[4] سورة البقرة 189

[5] سورة التوبة 37

[6] سورة التوبة 69

[7] سورة الفرقان 30

[8] سورة الفرقان 69 -77