حفل سمر من اجل 5 حزيران

حفل سمر من اجل 5 حزيران

تأليف سعد الله ونوس

نقد علي أحمد باقر 

إذا ما نظرنا في الفصل الأول باتجاهنا نحو التطبيق الذي سيتجلى مع بداية مسرحية حفلة سمر من اجل 5 حزيران ، لسعد الله ونوس والتي كتبها بين عامين 1968/1969 ، ولما كان صداها يجوب السبعينات أخذناها نموذجا لفترت السبعينات ، وقد جاء على لسن سعد الله نوس التنويه على أن هذه المسرحية غير تقليدية حيث أنها نوع جديد من المسرح .

 

(( ليس في هذه المسرحية شخصيات بالمعنى التقليدي ، فالشخصية المسرحية لا يشذ عن ذلك المخرج والكاتب ، أو عبد الرحمن  ، أو أبو فرج ، أو عزت .فهم كالآخرين أصوات ومظاهر من وضع تاريخي وعين . أن الأفراد وبذاته لا يملكون أي أبعاد خاصة وملامحهم ترتسم فقط بما يضيفونه من خطوط أو تفاصيل على صورة الوضع التاريخي العام الذي هو شكل المسرحية ومضمونها في أن واحد ))[1]

 

نعم  هذا التصريح الذي أدلى به سعد الله ونوس يقودنا إلى أن هذه المسرحية هي ضرب من التجريب ودخولا في أحداث المسرحية نجد مشاركة كل من الممثلين والمخرج والمؤلف وكذلك الجمهور ن حيث أننا في بعض الأحيان لا نستطيع أن نفرق بينهم ولا نعلم أن كان هذا من الجمهور أو من الممثلين .

 

((المتفرج : يموتون بالمئات ..بالآلاف ، لكن أرضهم تبقى لهم ، أقوى دولة في العالم تهتز رعبا منهم .

متفرج :  ( من الصالة ) انه يتحدث عن الفيتناميين !

متفرجون : ( من الصالة . بصوت واحد ) وأين نحن من الفيتناميين ؟!

عبد الرحمن : يفعلون كل هذا دون أن يقول لهم أحد ما يفعلون ؟

أبو فرج : ودون أن يعرفوا ما يحدث ؟

عزت : ( حالما أيضا )لو زارنا رجال آخرون .أو لو أن ذلك الرجل قد عاد .

المتفرج : كل ذلك لا يبرر أن تتركوا قراكم حتى قبل أن تبدأ الحرب .

متفرج : ( من الصالة ) يسمون هذا تفلسفا .

       ( يترك مقعدة ، ويتجه نحو الخشبه . منذ الآن ، سنميز المتحدين بالأرقام المتفرج الأول ، المتفرج الثاني ، المتفرج الثالث : وهكذا )

المخرج : وأنا اسميه تجاوزا لكل لياقة أو أدب .

المتفرج 1 : من يسميه تفلسفا؟

المخرج : (يرى الثاني متجها نحو الخشبه ) والى أين أنت الآخر ؟

المتفرج 2 : أنا من يسميه كذلك .

المتفرج 1 : ولما يكون تفلسفا ؟ انهم مسؤولون كسواهم عن ما يجري لهم .

المخرج : ( ينفجر ، فيما يرتقي المتفرج الثاني خشبه المسرح )إلى أين ؟ إلى أين ؟ هل اصبح المسرح ساحة عامة ؟ هل نسيتم أين توجدون ؟ من وقاحة إلى أخرى . كل يريد أن تستفرغ مخه أمامنا .لسنا هنا معرضا للأمخاخ ، ولا معرضا للعضلات ( إلى الفرقة )ابدؤوا ( يتردد أعضاء الفرقة ، ويتبادلون نظرات حائرة ) أقول ابدؤوا . سيعجون الكلام كوال الليل أن تركناهم ( يصفق )لتعل الموسيقا ))[2]

 

بالإشارة هذه نلاحظ أن المخرج يمثل لنا القواعد والمعايير المتعارف عليها في الفن المسرحي الثابتة ، ولكن والمتفرجتين يمثلون لنا الخروج على هذه القواعد التي سبق وان ذكرنا الخروج على القواعد يعتبر تجريبي . وهنا التجريب .

 

صحيح أن المسرحية تتكون من فصل واحد ومشهد واحد إلا أن هذا التقسيم يعد تجريبا ، حيث انه في هذه الفترة الزمنية كان المعتاد أن تقدم المسرحيات ذات الثلاث فصول .

 

هذا إذن التجريب على مستوى تقنية الكتابة المسرحية والدخول إلى ما يحمل النص نجد انه يقدم تجريب على مستوى الفكرة وذلك من خلال طرح فكرة اشتراك الجمهور مع الممثلين والمخرج وطرح قضايا عديدة داخل النص للنقاش ونلاحظ كذلك وجود ما يسمى بكسر الإيهام وذلك من خلال ما قام به المؤلف من عمل إيهام ثم كسره .

 

((الجندي 1 : ( متفحصا بسرعة الجسد المدمي ) قتل .

الجندي 2 : خذوا ...

الجندي 4 : فليمروا على الجثث ..على الجثث فحسب .

المخرج : وتسقط شظية أخرى غادرة أخرى .

الجندي 1 : ( صارخا ) آخ ..(وينهار على حافة الخندق )

الجندي 2 : قتل .

الجندي 4 : حرب لئيمة ! لنذيقهم موتنا . لنسدد جيدا .

المخرج : وتسقط شظايا غادرة .

       (يقتل الآخران . ويتوقف إطلاق الرصاص ، وتخفت الضجة )

المخرج : أتصورهم متكئيين على أطراف خندقهم ، ساكنين كصرخات متيبسة تطلقها ارض غاضبة ، ارض تنتهك حرمتها ، ترى ..بالأضواء والموسيقا سيمكنني إبراز معاني كثيرة في مشهد حار كأنه التأريخ ..وتنتهي لوحة ( ينهض الجنود من خندقهم ، ويعودون إلى كواليس . بعد فترة يوالى المخرج حديثة ) أتصور أن تبقي ضجة الحرب ناشبة أثناء الاستراحة وان كان هناك استراحة .أتريد أن لا تنقطع انفعالات المتفرجين وان يبقى الجو متوترا حين تبدأ لوجتنا الاشمل ))[3]

 

هنا نلاحظ التجريب على مستوى الاندماج بالحدث أو الوعي به وعدم الاندماج معه أي الدخول بالنسبة للجمهور في الإيهام ثم كسرة وهذا يجعل الجمهور في حالة من حالات اليقضة المستمرة حيث أن الجمهور هنا يستعين بعقلة على طول خط عرض المسرحية ، وذلك لمناقشة القضايا المطروحة وربما يقوم بدفع الجمهور إلى التمرد والتفكير وإيجاد حل لما طرح من القضايا ، عن طريق الشخصيات الذين قام المؤلف بالتجريب بهم حيث انه قام بوضع شخصية المخرج والمؤلف الحقيقي والمتفرج 1 إلى المتفرج 8 .

 

((المتفرج 3 : ( يتابع عنيف اللهجة ) هناك .. الفلاحون والفقراء لهم حجوم المتفرج 4 : هناك ..الفلاحون والفقراء بلادهم لهم .

المتفرج 3 : يشرشرون في الأرض ، لأنها أرضهم .

المتفرج 4 : يندغمون في التراب لان لهم هوية .

المتفرج 5 : ولانهم يعرفون أن لهم هوية .

المخرج : ( يشهق كالمصروع ) آه .. تسوء لحظة بعد أخرى ..

المتفرج 3 : قادتهم ليسوا دبابات .

المتفرج 4 : ولا قصور نوافذها مدافع ، وشرفاتها مراصد ومباحث .

متفرج : ( من الصالة ) ..أوه ..تقال الآن أشياء خطيرة .

المتفرج 5 : يتعلمون كيف يتحركون وكيف يتحرك العالم من حولهم .

متفرج 3 : تحت القنابل يتعلمون .

متفرج 5 : في شقوق الأرض يتعلمون .

متفرج 4 : معلموهم ليسوا نصابين ، ولا يغشون المعرفة ))[4]

 

أن التجريب على مستوى الشخصيات جعل المؤلف ينتقل بطبيعة الخل إلى التجريب على مستوى الصراع ، ذلك أن الصراع في هذه المسرحية يتكون من عدة مستويات ويغلب عليها صراع رئيسي وهو أيجاد الحل للخلاص من الأزمة ، ومن المستويات الصغيرة معاناة الجنود ومعاناة عبد الله وابنه ، وكل هذا التجريب كان يقصد منه المؤلف إشراك الجمهور في القصة موضوع النقاش .

 

ومن جراء هذا النقاش نجد أنفسنا أما نوع مسرحي جديد في ذلك الوقت في العالم العربي ، ربما سمية في ألمانيا المسرح إلا مرئي وهو المسرح ؛ الذي لن تستطيع التفريق به بين الجمهور والممثلين ، والمؤلف اخذ بالتجريب حتى على مستوى الحوار فإننا نجد الحوار هنا ليس  حواراً دافع إلى عقد الحدث ولكنه أشبه بالكلام الفلسفي ، الذي يحرك العقول وقد استخدمه بعض الجمل الحوارية الدرامية والتي كانت تقود نحو القمة من الحدث في بعض صراعاته ولكنه لا يجعلها تصل إلى حل .

 

((المختار : ما بقي اثمن مما ضاع .

عبد الله : يأسنا ثقيل ، ولن نستطيع السير به . سنبقى مع الجنود يا مختار . امضوا أنتهم ولا تتلكئوا .

المختار : أهي كلمة أخيرة ؟

عبد الله والرجال : (بصوت واحد ) لم يبقى سواها يا مختار .

المختار : فلتشملهم عناية الله إذن ، ولنتعانق .

       (يعانق المختار عبد اله ورجالة واحداً واحداً . يصل إلى الجنود ويتردد ..)

الجندي 4 : ليتنا نستطيع عناق .

       ( تنفجر أصوات معولة بالبكاء)

المختار: ليمنح الله أرواحكم السلامة .

الجنود : عندما تعودون .. عندما تعودون..

المنخار : الوداع ..الوداع ( إلى أهل القرية ) فلنمضي على بركة المولى .

       ( تعول أصوات نساء ورجال بالبكاء ))[5]

 

أما التجريب على مستوى المكان فقد شكل الفراغ المسرحي بطريقة غير تقليدية ، فلم يعايش الجمهور الأمكنة التي تم إعدادها سلفا لتوحي بمكان محدد ، بل نجد أن الجمهور والممثلون معاً يجهزون أمام بعضهم البعض المكان الذي سيقدمون به الأحداث مما يفقد المكان لطبيعته التقليدية ، ويجعلنا أما تجريب على مستوى المكان .

 

(( يدخل عمال المسرح حاملين قطع ديكور مختلفة ويبدؤون بتركيب مشهد جديد ، فيما يتابع المخرج كلامه ))[6]

 

هكذا كان الديكور في هذه المسرحية وهذا هو المكان ولكن بالنظر إلى مستوى الزمان نجده يتكون من مستويين :-

 

1. الحاضر                              2.الماضي .

 

وهنا نجد أن الحاضر والماضي يسيران متوازيان وهذا حدث من خلال التمثيل وعمل الإيهام والذي يمثل الماضي وكسر الإيهام  والعلاقة المتكونة بين الجمهور وكلاً من المؤلف والمخرج والممثل ..الخ .

 

1.              الحاضر : -

 

ويمثل الحاضر في الحديث الأول بين المخرج والجمهور كذلك الحال مع المؤلف وما تخلل ذلك من جمل حوارية أشبه ما تكون بالحوار الساكن .

 

(( عبد الغني : ليس ضروراً أن يتقمصني ممثلوك مادمت موجوداً هنا ..

   (عبد الغني رجل طويل ، دقيق الملامح ، تمييزه بسمة حادة ومبهمة المعنى تستوعب كل وجهه )

المخرج : (باغتاً) أنت ؟ وأتيت مع هذا .

عبد الغني : لا اضن انه ممنوع علي دخول المسرح .

(يرقى إلى الخشبه )

المخرج : قل .. هل بلغت ما تريد .. انظر إلى أي موقف صعب دفعت بي.

عبد الغني : ( تفيض البسمة المبهمة على ملامحه ..ينهض الممثل ويقف جانبا) ظننت انك تريد أن تروي للمتفرجين خبر تلك المقابلة .

المخرج : (بعنف ) تماماً ..هذا ما أردته تفضل بالجلوس ( ينسحب الممثل ) سنكون شرفاء .. وسنقول كل شئ ، كانت غايتي واضحة ..أليس كذلك ؟

عبد الغني: لا أقول ..لا

المخرج : إذن تفضل بالجلوس ..ودعنا نستذكر للمتفرجين الكرام ما دار ببيتنا )) [7]

 

وبهذا الحوار الذي يتمثل من الحاضر إلى حوار في الربع الأخير من المسرحية الذي يمثل بالكامل الحاضر المعاش ، وذلك من خلال حوارات الجمهور مع عبد الله وأبو فرج والمتفرجين .

 

((عبد الرحمن : ( بالصوت الخافت المحايد ) يتحدثون عنا يا فرج .

أبو فرج : نعم ..انهم يتحدثون عنا .

المتفرج 1: أولئك الناس أيضا فلاحون وفقراء . أولئك الناس أيضا يجوعون إذ تحرق القنابل ارزهم .

متفرج : (من الصالة ) الفيتامين !

متفرجون : ( من الصالة ، بصوت واحد )وأين نحن من الفيتامين ّ

المتفرج 2 : لكنهم ليسوا غرباء في أرضهم ، لكنهم لا يعيشون في جزر منفية ، لكنهم ليسوا أرقاماً مبعثرة في سجلات نفوس مهترئة .

متفرج 3 : ( من الصالة )أيضا ليسوا حشرات على الأرض كالنمل أو كالدود ))[8]

 

وبهذا الحديث تنتهي المسرحية وهي ترسل رسالة للمتلقي تفيد بان التصحيح في الزمن الحاضر واعد بالتغيير بالزمن المستقبل الذي يمثل الغد .

 

((متفرج : أية سهرة !

متفرج: لنعرف انهم شجعان ..

متفرج:انظر أين اصبحوا.

متفرج:لكن لنعرف انهم شجعان وإننا لم نفعل شيئا لحمايتهم .

متفرج:ما لنا ..للجدران آذان .

متفرج:ما قالوه صحيح مع هذا .

متفرج:كنت واثق أن النهاية محزنة .

متفرج:لم نر في حياتنا ما يشبه سهرتنا.

متفرج:لعنة الله على المسرح ومشكلاته .

متفرج: قلت لك ..أني غير راغب في المجيء .أترين ما حدث ؟!

امرأة: ما اشد خوفك !لست بين الموقوفين على أين حال.

متفرج:تتمنين لو كنت بينهم .

امرأة : لن تكون بينهم أبدا!))[9]

 

وبهذا الحديث سوف نلاحظ تباين الزمن الحاضر الذي يدخل به شيئا من الزمن الماضي في بداية ووسط المسرحية .

 

2.              الزمن الماضي:-

 

ويكون الزمن الماضي في المسرحية ، من خلال تقنية الفلاش باك أو الاسترجاع أو تقمص الممثلين أدوارهم .

 

(( الفلاح : (دون أن يتوقف ) سمعت دويا وطلقات رصاص . لم اعتقد أن ذلك خطير . قلت أسرع في عملي ، ثم أعود إلى بيتي ، لكن الطائرات ..حلمك يا رب ..رأيتها فرق رأسي تخطف الجو . كالطيور السوداء الغاضبة تخطف الجو. ارتجفت الأرض وكذلك الأقدام .فليرحمنا الله . من يجرؤ على البقاء بعد ذلك . النار بعيني رأيتها تلتهم كل شئ ، الأخضر واليابس .

الصوت : أنها تلتهم بستاني ..بستاني .

الفلاح : وهي تتقدم ..نحونا تتقدم ..فليرحمنا الله ماذا سنفعل الآن ؟

صوت : ( من بين الأشراف ) قل كلمتك يا مختار .

أصوات : نعم ..قل كلمتك يا مختار .

عبد الله : احذر يا مختار ، فقد يذهب قولك مثلا .

       (يتجمد المشهد تقريباً ، وتختفي الأصوات )

المخرج : موقف صعب ..أترى كيف امتثلت الأمور . المختار ليس جبانا ، وكذلك كل الذين يرون أن الرحيل افضل من البقاء . لكن الموقف دقيق لا يسمح للكلمات بالتمايز أو تفصل معانيها ، لهذا سرعان ما ينقسمون ))[10]

 

بهذا التباين بين زمن الماضي والزمن الحاضر ، نلاحظ أن التجريب قد جاب المسرحية بأكملها ، ولعل هذا ما دفع سعد الله ونوس إلى القول :

 

((كما هو الحال في بلادنا ، المخرج في هذه المسرحية هو الوقت نفسه ، مدير المسرح والمخرج فيه . أستطيع أن أضيف انه ممثل ، وبأنه مسؤول ، وبأن لحضوره امتداد أوسع وأبعد من خشبته أو من يناء مسرحه ))[11]

 



[1]               سعد الله ونوس – مقدمة مسرحية حفلة سمر من اجل 5 حزيران – الأعمال الكالة –ص 23 .

[2]               المصدر السابق ص 93

[3]               المدر السابق ص 46

[4]               المصدر السابق ص 99

[5]               المصدر السابق ص 67

[6]               المصدر السابق ص48

[7]               المصدر السابق ص 30

[8]               المصدر السابق ص 98

[9]               المصدر السابق ص 127

[10]             المصدر السابق ص 52

[11]             المصدر السابق ص 23